لقدكان دَيدَنُ السلف الصالح فيتربيتهم لأولادهم: بناء معتقدهم، وتنميةمهاراتهم وقدراتهم، وتحصينهم ضدالشهوات والشبهات، وتأهيلهم للأعمالالجليلة، والواجبات الشرعية،والسلوكيات الحميدة، وقد وردت النصوص في تأكيدذلك وبيانه. جاء عَنِالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَقَالَتْ: "أَرْسَلَ رَسُولُاللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَعَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِالَّتي حَوْلَ الْمَدِينَةِ "مَنْكَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّصَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَمُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَيَوْمِهِ). فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَنَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَاالصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَاللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِفَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَالْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْعَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَاإِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ". [3] .
هكذا كانوا، وهكذا ينبغي لنا أن نكون مع أطفالنا فيخيرأيام الدنيا؛ عشر ذي الحجة، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من أيامالعملالصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشرة" قالوا: يا رسولالله ولاالجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلاّ رجلخرج بنفسهوماله فلم يرجع من ذلك بشيء". [4] .
وقالصلى الله عليه وسلم: "ما من أيامأعظم عند الله، ولا أحب إليه من العملفيهن، من هذه العشر، فأكثروا فيهنمن التهليل والتكبير والتحميد". [5] .
فهلترى من النَّجابة في شيء أننُفوِّتَ أياماً عظيمة كهذه الأيام دون أن ننقشمن آثارها على أولادنا،فيشب أحدهم وقد اعتاد القيام بشعائر الإسلام،وتمرَّس على واجباتهومستحباته، ونشأ وقد وقَرَ في قلبه عظمة ما نُعظِّمه،وصارت أعظم الأشياءعنده ما نعتقده، متين المعتقد، سليم القلب، طاهراللسان، شاباً صالحاً،وعضواً نافعاً في المجتمع؟! إننا لنُحَقِّقَ هذه الخِصال مع أطفالنا فيأعظمالأيام عند الله، ينبغي أن تكون لنا خُطوات أسرية إيمانية مدروسة،نستجلبُبها رحمة الكريم المنَّان، ونؤكِّد فيها التقارب معهم، ونرسمأهدافاً ساميةيسعى الجميع إلى تحقيقها في دنياه لعمارة آخرته وبنائها.
الخطوة الأولى (لفت الانتباه):
وذلكبطباعة حديث الإمام البخاري،وحديث الإمام أحمد، وقول الإمام ابن حجر-رحمهم الله- التي ذُكرت مطلع هذاالمقال، بصورة واضحة، وتعليقها في غرفةالجلوس، أو في مكان بارز في البيت؛ليتمكن الجميع من قراءتها.. ولو أمكنإعلان جائزة مناسبة لمن يحفظها منأفراد الأسرة، لكان هذا جميلاً.
الخطوة الثانية ( التهيئة النفسية):
حيثتجتمع الأسرة في حلقة حول الأب، أوغيره من أفراد الأسرة، لبيان عظمة هذهالأيام العشر، فقد ذكرها الله تعالىفي كتابه: (وَالْفَجْر وَلَيَالٍعَشْرٍ) [7] ، وجاءت الأحاديث وأقوالالسلف في فضلها [8] ، وأنها أعظم أيامالدنيا، وقد حثَّ نبينا الكريم -صلىالله عليه وسلم- على العمل الصالحفيها، وأمر بكثرة التهليل والتكبير، ثمفيها يوم عرفة، ويوم النحر، واجتمعتفيها أمهات العبادة: الحج، والصدقة،والصيام، والصلاة. [9] .
يتم عرض هذا كله بأسلوب مشوِّق يتناسب مع الفئة العمرية لأفراد الأسرة، وبمزيد من المراعاة لفُهُوم الأطفال فيها.
الخطوة الثالثة (التعرف إلى أَعْمال العَشر):
دلَّت النصوص من الكتاب والسنَّة وأقوال أهل العلم على استحباب الإكثار من الأعمال الصالحة في هذه العشر، ومن ذلك:
أولاً:أداء الصلوات المفروضة علىوجهها الأكمل، بأدائها على وقتها، والتبكير لها،وإتمام ركوعها وسجودها،وتحقيق خشوعها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهقال: "سَأَلْتُالنَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّالْعَمَلِ أَحَبُّإِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا".[10] .
ثانياً:التقرب إلى الله بالإكثار منقراءة القرآن، والصدقات، وإعانة المحتاجين،والتوبة والاستغفار، وصلاةالنوافل، وأداء السنن الرواتب، وصلاة الضحى،والوتر، وقيام الليل، فقد جاءعن سعيد بن جبير قال: "لا تطفئوا سرجكم لياليالعشر". [11] ، كناية عنالقراءة والقيام.
ثالثاً:صيام ما تيسر من أيام هذهالعشر؛ فهو داخل في جنس الأعمال الصالحة، وآكدهاصيام يوم عرفة لغيرالحاج، قال صلى الله عليه وسلم: "صِيَامُ يَوْمِعَرَفَةَ أَحْتَسِبُعَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِىقَبْلَهُ وَالسَّنَةَالَّتِى بَعْدَهُ". [12] .
رابعاً:الإكثار من التهليل، والتكبير،والتحميد، لقوله صلى الله عليه وسلم:"فأكثروا فيهن من التهليل والتكبيروالتحميد". [13] ، كما أنه يُستحَبّالتكبير المطلق في البيت، والسوق،والعمل، إلا ما دلَّت النصوص على كراهةالذكر فيه، قال تعالىوَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ). [14] ، وصفتهاللهأكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، وللهالحمد) [15]،"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍمَعْلُومَاتٍأَيَّامُ الْعَشْرِ ... وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُوهُرَيْرَةَيَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِيُكَبِّرَانِوَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا" [16] .
خامساً:ومن أعظم الأعمال في هذه العشرحج بيت الله الحرام، وقصد بيته لأداءالمناسك لمن تيسر له، قال صلى اللهعليه وسلم: "الحج المبرور ليس له جزاءإلاّ الجنة". [17] . وقال صلى اللهعليه وسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسقرجع كيوم ولدته أمه". [18] .
سادساً:ومن الأعمال الجليلة في هذهالعشر المباركة؛ ذبح الأضاحي تقرباً لله، فإنه:"صلى الله عليه وسلم ضحىبكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر،ووضع رجله علىصِفَاحِهِما". [19] .
الخطوة الرابعة (الجانب التطبيقي التربوي):
1-تشجيع الأطفال على حفظ الذكر المطلقفي أيام العشر، وكذا حفظ شيء من نصوصفضائل الأعمال فيها، من خلال إعلانمسابقة لذلك وجوائز حسية ومعنوية، فإنلذلك أثره الكبير في صياغة عقليةالطفل واهتماماته في المستقبل، قالإبراهيم بن أدهم: "قال لي أبي: يا بني،اطلبِ الحديث، فكلما سمعت حديثاًوحفظته فلك درهم. فطلبت الحديث على هذا".[20] .
2-اعتياد الصغير للعبادة سبب فيمحبتها وإلْفها، فتكون سهلة ميسورة حينكِبَره، كيف وهو يرى والديه جعلاأعمال العشر برامج تطبيقية عملية فيحياتهم، يذكِّرون بالصلاة على وقتها،ويُرَدِّدُون على مسمعه كلمات الأذان،ويُرَطِّبُون أسماعه بترداد التكبيرالمطلق، ويصطحبونه لإيصال الصدقاتوإعانة المحتاجين، يُعَرِّفونه بالسننالرواتب وأجورها، ويُعوِّدونه صيامجزء – ولو يسيراً جداً – من اليوم. 3-الجلسات الحوارية الأسرية الهادئةلها أثرها البالغ في حياة الطفل، ولوكانت إحداها في شرح معاني مفرداتالتهليل والتحميد والتكبير، وشيء مندلالات أسماء الله وصفاته، وبيانالحكمة من الصلاة، والصوم، وإعانةالمحتاجين، وأثر أيام العشر، ويوم عرفةعلى العباد، لكان في ذلك ترسيخلمحبة الله سبحانه، وتعظيمه، وتوقيره،وقدره حق قدره، وترسيخ محبة رسولالله صلى الله عليه وسلم، وسبب في أنترتبط نفس الطفل بمولاه سبحانه، وتنموروحه وتَسْلَمُ فِطرتَه، ويبقىمستظلاً بظلها، يعيش معناها في كِبَره شيئاًفشيئاً.
4-استثمار المزايا العظيمة التي ذكرهاصلى الله عليه وسلم للعمل الصالح فيهذه الأيام العشر، لتبيان أن اللهجعلها أمام عبيده؛ ليتقربوا إليه، فتزيدحسناتهم، وتُحطّ سيئاتهم، فيفوزوابجنة عرضها السموات والأرض. ما أنها تدلعلى محبة الله لعباده المؤمنين،وأن قَدْرَ الموَحِّد عند الله عظيماً؛ فلايجوز تخويفه، أو رفع السلاح فيوجهه، أو التنابز معه بالألقاب الفاحشة، فقدنظر ابن عمر -رضي الله عنه-يوماً إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك،والمؤمن أعظم حرمة عندالله منك". [21] .
5-في الأضحية إحياء لسنة أبيناإبراهيم عليه السلام، وفيها تذكير بقصَّةالفداء والتضحية والتقرب إلىالله، وفيها هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم-يوم العيد، وحين إلقاءالوالدين على أطفالهم قصة نبي الله إبراهيم مع ابنهإسماعيل؛ إذ أصبح يومفداء إسماعيل وإنقاذه من الذبح عيدًا للمسلمينيُسمَّى بعيد الأضحى، يذبحفيه المسلمون الذبائح تقربًا إلى الله، وتخليدًالهذه الذكرى، تبقى هذهالقصة مؤثرة في عقولهم ووجدانهم، يعيشون حياةأبطالها، يستمعون بشغفٍإليها، ويتقمَّصون ما فيها من حِكَم أو دلالات،وينسجون لنفوسهم خيالاتواسعة بين أحداثها، فيؤمنوا بما دلَّت عليه، وتفتحلهم ملكة التفكيرللتعبير والإبداع النافع.
أطفالنا،أكبادنا تمشي على الأرض،أمانة في أعناقنا، يتعلَّمون خلال سِنِيِّ حياتهممَعَنا ما يُعينهم علىالقيام بأدوارهم المستقبلية، تارة بالتقليدوالمحاكاة، وتارة بالمحاولةوالخطأ، وتارة بما اعتادوا عليه؛ فإنه منالمعروف أن الطفل يتأثر بوالديه،وهذا الأثر يبقى لفترة طويلة، قد تمتدطوال عمره، وقِيَم الوالدين والأخوةتنتقل للأطفال بصورة مباشرة بحسبمجريات الحياة اليومية ومستجداتها، ولذافعلى الوالدين إشباع أطفالهمبمنظومة قيمية، ومعرفية، وروحانية، ومهارية؛تجعلهم مؤمنين بربهم، صالحينفي أنفسهم، بَنَّائين في مجتمعهم.
عادل بن سعد الخوفي
---------------------------------- [1] : تحفة المودود لابن القيم رحمه الله. ص 137 [2] : تحفة المودود لابن القيم رحمه الله. ص 139 [3] : رواه مسلم رحمه الله. [4] : رواه البخاري رحمه الله. [5] : أخرجه الإمام أحمد. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. [6] : فتح الباري، ج: 2 ص: 534. [7]: سورة الفجر: 1/2، قال ابن عباسوابن ال****ير ومجاهد وغير واحد من السلفوالخلف: إنها عشر ذي الحجة. قالابن كثير:" وهو الصحيح" تفسير ابنكثير8/413. [8] : حديث الإمام البخاري، وحديث الإمام أحمد، وقول الإمام ابن حجز -رحمهم الله- التي ذُكرت مطلع هذا المقال. [9] : نيل الأوطار. [10] : متفق عليه. [11] : سير أعلام النبلاء. [12] : رواه مسلم رحمه الله. [13] : أخرجه الإمام أحمد. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. [14] : سورة الحج: 28. [15] : قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في اللقاء الشهري "يسن للإنسان في عشر ذي الحجة أنيكثرمن التكبير فيقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبراللهأكبر ولله الحمد. وبعض العلماء يقول: تكبر ثلاثاً فتقول: الله أكبر،اللهأكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر الله أكبروللهالحمد، والأمر في هذا واسع". [16] : ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه. [17] : متفق عليه. [18] : متفق عليه. [19] : رواه البخاري ومسلم. [20] : شرف أصحاب الحديث. [21] : رواه الإمام الترمذي، وحسنه (2032).
دلعها غير وحبها خير مشرفه
عدد المساهمات : 35
موضوع: رد: أطفالنا وعشر ذي الحجة الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:04 pm