موضوع: سدرة المنتهى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 3:14 pm
سدرة المنتهى
قال تعالى:{ ثم دنا فتدلى* فكان قاب قوسينأو أدنى* فأوحى الى عبده ما أوحى* ما كذب الفؤاد ما رأى* أفتمارونه على مايرى* ولقد رءاه نزلة أخرى* عند سدرة المنتهى* عندها جنة المأوى* اذ يغشىالسدرة ما يغشى* ما زاغ البصر وما طغى* لقد رأى من آيات ربه الكبرى}.النجم 8-18.
1. السدرة
السدرة هي شجرة نبقعظيمة هائلة, لم تكن على الأرض ولكنها كانت في السماء, بعد السماءالسابعة, وهي أكبر من أي شجرة ضخمة رأيتها في الدنيا ملايين المرات,والسدرة شجرة ينتهي اليها كل ما يصعد على الأرض من أعمال الناس والأرواح,ثم يقبض أو يؤخذ من عندها, وينتهي اليها كل ما يهبط من أعلى فيؤخذ منها.
بعدأن عرفنا السدرة, وعرفنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى في رحلةالاسراء ما رأى في السماء السابعة, بعد هذا كله صعد به جبريل الى ما بعدالسماء السابعة, صعد به الى معجزة عظيمة, اتجه الى سدرة المنتهى, وقبل أنيصل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السدرة رأى نهرا صافيا جميلا نصبتعليه خيام مرصّعة باللؤلؤ والياقوت وعلى حافتيه طيور جميلة خضراء عليهانضرة النعيم, فقال عليه الصلاة والسلام:
"يا جبريل ان هذا الطير لناعم".
قال جبريل: يا محمد ان الذي يأكل هذا الطير أنعم منه.
ثم قال جبريل: يا محمد؛ أتدري أي نهر هذا؟
فقال عليه الصلاة والسلام: "لا".
قال جبريل: هذا نهر الكوثر الذي أعطاك الله اياه.
ثمرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نهرا آخر يسمى نهر الرحمة فاغتسل فيه,فغفر الله له ما تقدم من ذنبه, وما تأخر؛ ثم رفع رسول الله صلى الله عليهوسلم الى الجنة, ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم بها أنهارا من ماء صافجميل, وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه, وأنهارا من عسل مصفى.
وقال عليه الصلاة والسلام:" ان الله تعالى أعدّ لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
وخرجالنبي عليه الصلاة والسلام من الجنة, فلقيه ملك, فرحّب به كما رحّبت بهالملائكة من قبل, ولكنه كان عابسا لم يبتسم له كما ابتسمت الملائكة, فعجبعليه السلام وقال:
" يا جبريل من هذا الملك, الذي قال لي مثل ما قالت الملائكة, ولم يضحك, ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت منهم".
فقال جبريل: هذا مالك خازن النار.. أما انه لو ضحك الى أحد من قبلك, أو كان ضاحكا الى أحد من بعدك لضحك اليك, ولكنه لا يضحك.
فقال عليه السلام لجبريل:" ألا تأمره أن يريني النار؟"
فقال جبريل: بلى.
ثم نادى جبريل مالكا فقال له: أر محمد النار.
فكشفمالك عن النار غطاءها ففارت.. وارتفعت, حتى ظن الرسول أنها ستأتي على كلما يرى, فيها غضب الله ونقمته, لو وضعت فيها الحديد والحجارة لأكلتها.
فقال عليه الصلاة والسلام:" يا جبريل مره ليردّها الى مكانها" فأمر جبريل عليه السلام مالكا أن يردها.
فقال مالك للنار: أخبي فرجعت النار الى مكانها الذي خرجت منه, وردّ عليها غطاءها.
ومالك: هو رئيس الملائكة القائمين على النار والعذاب يوم القيامة وقد ذكر اسمه في القرآن لقوله تعالى:
{ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك, قال انكم ماكثون} الزخرف 77.
وقد مرت برسول الله صلى الله ليه وسلم رائحة طيبة فقال لجبريل:
" ما هذه الرائحة".
قالجبريل: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها!! كان من أخبارها في الدنيا أنسقط من يدها المشط الذي تمشط به شعر بنت فرعون فمالت على المشط وأخذتهوقالت: باسم الله..
فقالت بنت فرعون: من الله هذا؟ أهو أبي فرعون؟
قالت الماشطة: لا.. انه ربي, وربك, ورب أبيك.
قالت بنت فرعون: أولك رب غير أبي فرعون؟!
قالت الماشطة: نعم, ربي, وربك ورب أبيك.. الله عز وجل.
وبلغ الخبر فرعون, فدعاها, فقال لها: ألا رب غيري؟!
قالت:نعم.. ربي وربك الله عز وجل, فغضب فرعون, وأمر بنار عظيمة, فأوقدت, فألقىفيها أولادها ما عدا طفلا رضيعا, فأمرها فرعون, أن تقذف بنفسها في النار,فتقاعست قليلا من أجل ولدها الرضيع, فناداها الرضيع قائلا: يا أمّه! قعيولا تقاعسي فانك على الحق, أي أدخلي ولا تخافي.. فانطلقت الماشطة الأم الىالنار فأحرقتها, وتلك الرائحة الطيّبة رائحتها في الآخرة.
ووصلالرسول صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى, فاذا به يرى مفاجأة, فقد رأىجبريل على حقيقته, رأى السدرة وقد ملأها من نور الله الخلاق عز وجل مايحير العقل ويدهشه من العجب والجمال..
وسمع من جبريل عليه السلام مفاجأة, قال له جبريل:
يا محمد, في مثل هذا المقام يترك الصاحب الى صاحبه؛ الخليل الى خليله, والحبيب الى حبيبه.
قالجبريل: الى هنا ينتهي عروجي, لا أستطيع التقدم ولو تقدمت بعد ذلك قيد شعرةلاحترقت, فتقدم أنت الى خليلك وحبيبك, فما منّا الا له مقام معلوم.
ووجدالرسول صلى الله عليه وسلم نفسه يسمو في عالم النور القدسي حتى صار منالله الخلاق عز وجل كما جاء في القرآن الكريم قريبا جدا, قال عز وجل:
{ ثم دنا فتدلى* فكان قاب قوسين أو أدنى}.
ولما اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل فكلمه الله عند ذلك فقال له: سل..
فقالمحمد صلى الله عليه وسلم:" انك اتخذت ابراهيم خليلا, وكلمت موسى تكليما,وأعطيت داود ملكا عظيما, وألنت له الحديد وسخرت له الجبال. وأعطيت سليمانملكا, وسخرت له الجن والانس والشياطين, وسخرت له الرياح, وجعلت له ملكا لاينبغي لأحد من بعده.
علمت عيسى التوراة والانجيل, وجعلتهيبرئ الأكمه والأبرص, ويحيى الموتى باذنك, وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم,فلم يكن للشيطان عليهما سبيل".
فقال له الرب عز وجل:"وقد اتخذتك خليلا, وأرسلتك للناس كافة وبشيرا ونذيرا, وشرحت لك صدرك,ووضعت عنك وزرك الذي أنقض ظهرك.. وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس وأعطيتكسبعا من المثاني لم يعطها نبي قبلك, وأعطيتك نهر الكوثر, واعطيتك ثمانيةأسهم هي: الاسلام, والهجرة, والجهاد, والصلاة, والصدقة, وصوم رمضان,والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وجعلتك فاتحا, وخاتما للمرسلين.
فكانرسول الله صلى الله عليه وسلم:" فضلني ربي بست: أعطاني فواتح الكلاموخواتيمه, وجوامع الحديث, وأرسلني الى الناس كافة بشيرا ونذيرا, وقذف فيقلوب أعدائي الرعب من مسيرة شهر, وأحلت لي الغنائم, ولم تحل لأحد قبلي,وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا".
ومن خلال هذه المعجزةالعظيمة الصعود الى السماء والوصول الى سدرة المنتهى, فرض الله سبحانهحينئذ على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته خمسين صلاة في اليوموالليلة, ولما أوحى الله الى عبده ما أوحى رجع فلقيه موسى عليه السلام حيثهو في السماء السادسة فقال: بم أمرت يا محمد؟
قال عليه الصلاة والسلام:" بخمسين صلاة".
قال موسى: ارجع الى ربك فاسأله التخفيف. فقد لقيت من بني اسرائيل شدّة.
فرجعرسول الله صلى الله عليه وسلم الى ربه عز وجل وسأله التخفيف فوضع عنهعشرا, أي خفف الخمسين الى أربعين ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلمفقال: بكم أمرت؟
قال عليه الصلاة والسلام:" بأربعين صلاة".
قالموسى: فارجع الى ربك فاسأله التخفيف فقد لقيت من بني اسرائيل شدة, وتعلا,فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم الى ربه عز وجل فسأله التخفيف, فخفف عنهعشرا, فرجع الى موسى, وظل يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم ويسأله التخفيفحتى أصبحت خمس صلوات في اليوم والليلة... فقال له موسى: ارجع الى ربكفاساله التخفيف, فقد لقيت من بني اسرائيل شدّة..
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" قد رجعت الى ربي حتى استحييت, فما أنا براجع اليه".
وكانالرسول صلى الله عليه وسلم قد رجع الى ربه فخفف الى الثلاثين والعشرينوالعشر صلوات في اليوم والليلة حت وصل الى خمس صلوات في اليوم والليلة,وما ان قال:" استحييت, فما أنا براجع اليه" حتى سمع عليه السلام مناديايقوا: أما انك كما صبّرت نفسك على خمس صلوات فانهن يجزين عنك خمسين صلاة,فان كل حسنة بعشرة أمثالها, فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا.
2. العودة الى مكة
عادالرسول صلى الله عليه وسلم من فوق السماء السابعة فعاد حتى هبط الى السماءالدنيا, فنظر الى أسفل منه, فرأى وهجا ودخانا وسمع أصواتا, فقال عليهالسلام:" من هؤلاء يا جبريل؟"
قال جبريل: هذه الشياطين تحوم على قلوب بني آدم كي لا يتفكروا في ملكوت السموات والأرض, ولولا ذلك لرأوا العجائب..
وظلّالرسول صلى الله عليه وسلم يهبط الى الأرض حتى بلغ بيت المقدس, فوجدالأنبياء مجتمعين فيه ينتظرون الصلاة فحيّاهم عليه الصلاة والسلام فحيّوه,ولما حانت الصلاة قام النبيون لأدائها, فجاء جبريل, أخذ بيد النبي صلىالله عليه وسلم الى موقف الامام, وأشار اليه أن يصلي بهم فصلى بهم...والغالب أنها كانت صلاة الصبح, وفي امامته عليه الصلاة والسلام للأنبياءتشريف له عليه الصلاة والسلام واعلاء لقدره على سائر الأنبياء.
ثمركب الرسول عليه الصلاة والسلام البراق بعد أن خرج من بيت المقدس, فركبالبراق وعاد الى مكة والناس نيام فلما أصبح الصبح, وصحت مكة, وعلت الشمس,شمس الضحى, أخبر عليه السلام الناس بما حدث معه, وأول من رآه أبو جهل,وكان كثيرا ما يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم, فجاءه أبو جهل وقال لهمستهزئا: أراك ممعنا في تفكير عميق, فهل حدث لك شيئ جديد؟
قال رسول صلى الله عليه وسلم:"نعم".
قال أبو جهل: وما هو؟
فقال عليه السلام:" انني أسري بي الليلة" أي انتقلت وسافرت.
قال أبو جهل: الى أين؟!
فقال عليه الصلاة والسلام:" الى بيت المقدس".
ففتح أبو جهل فمه من الدهشة وقال: ثم عدت الينا؟!
فقال عليه الصلاة والسلام في ثقة واطمئنان: "نعم"
كانأبو جهل يسخر من الرسول صلى الله عليه وسلم, ويقول: هذا يزعم أنه يكلم منالسماء.. وكان هو وجماعته قد أكثروا من ترديد هذا الكلام حتى نسوه لفترةفلما سمع أبو جهل أن الرسول قد سافر ليلا من مكة الى بيت المقدس, والعكسفي الليلة نفسها مع أنهم يسافرون لها في شهر, أراد أبو جهل أن يستغل هذهالمعجزة التي لم يصدقها للسخرية من محمد, والاساءة له أمام الناس, كيينصرفوا عنه اذ أنه يقول ما لا تقبله العقول..
ظنّ أبوجهل أنه بامكانه أن يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه يقول أشياء لايقبلها عقله هو, وأراد أن يجمع الناس لأنه يتوقع أن يتراجع محمد صلى اللهعليه وسلم عما قاله والذي لا يصدقه, ولما خاف أن ينكر محمد صلى الله عليهوسلم ما قاله امام الناس قال له: أرأيت يا محمد ان أنا دعوت قومك اتحدثهمبما حدثتني به؟ أتقول لهم ما قلت لي؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نعم".
فنادى أبو جهل بأعلى صوته: يا معشر كعب بن لؤي.
فجاء الناس اليه, فقال أبو جهل للرسول صلى الله عليه وسلم: حدّث قومك بما حدثتني به.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اني أسري بي الليلة".
فقالوا: الى أين؟
فقال عليه الصلاة والسلام:" الى بيت المقدس".
فقالوا: ثم أصبحت الآن بيننا بعد كل هذا السفر؟!!
قال عليه الصلاة والسلام:" نعم".
وهنا هاج القوم, وصاروا يضربون كفا على كف, ويضع بعضهم يده على رأسه عجبا لكذب محمد صلى الله عليه وسلم كما يظن ويدّعي.
وصاروايكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى قال له رجل منهم اسمه المطعم بنعدي: والله يا محمد لقد كان أمرك فيما مضى أمرا هيّنا, أما اليوم فقدأمعنت في الكذب بما لا تصدقه العقول.. اننا نركب الابل الى بيت المقدسفنظل شهرا في الذهاب وشهرا في العودة ثم تزعم أنك سافرت هذا السفر في ليلةواحدة؟ واللات والعزى لا أصدقك, وما كان هذا الذي تقوله يحدث أبدا..!!
وقال بعضهم في استهزاء: وماذا رأيت في بيت المقدس؟
فقال عليه السلام:" قابلت عددا من الأنبياء منهم ابراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وصلّيت بهم وكلمتهم".
وكذبالكفار الرسول صلى الله عليه وسلم وسخروا منه, وقالوا: لو أن أبا بكر سمعصاحبه محمدا يقول ما يقول اليوم لكذبه, ولانصرف عنه, وكف عن مناصرتهوتأييده؛ واذ انصرف عنه, وكف عن مناصرته, انصرف الكثيرون معه عن محمد,فيهون شأنه ويضعف أمره, فجرى أحدهم يبحث عن أبي بكر في كل مكان حتى وجدهفي أحد مجالس قريش, فقال له هل سمعت ما يقول صاحبك يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: وما ذاك الذي يقول صاحبي؟
قال الرجل: يزعم أنه أسري به الليلة الى بيت المقدس, ثم أصبح بيننا!!
فقال أبو بكر: أوقد قال ذلك؟
قال الرجل: نعم واللات والعزى لقد قال ذلك.
قال أبو بكر: لئن كان قد قال ذلك فوالله لقد صدق.
فقال الرجل في عجب ودهشة: أتصدقه أنه ذهب الى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح.
قالأبو بكر: نعم اني أصدقه حتى لو قال أبعد من ذلك. أصدقه أن الخبر يأتيه منالسماء في ساعة من ليل أو نهار. أفلا أصدقه فيما هو أقل من ذلك عجبا؟!!!
وقامأبو بكر والرجل وبعض من كانوا معه, وذهبوا الى حيث يجلس رسول الله صلىالله عليه وسلم ويتحدث عن الاسراء, فلما وصلوا الى هناك سمعوا المطعم بنعدي يقول: يا محمد: ان كنت ذهبت الليلة الى بيت المقدس ودخلته وصليت فيه,فلا بدّ أنك شاهدته, وعرفت معالمه: من أبواب وجدران وغيرها, فصفه لنا..
ثم أضاف المطعم بن عدي قائلا:
اننا نعرف أنك لم تذهب قبل هذه الليلة الى بيت المقدس, فاذا وصفته لنا الآن كان ذلك دليلا قاطعا على أنك زرته الليلة!!!.
وهناأحس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حيرة شديدة تعتريه, وأن كربا أو غمالا مثيل له يستولي عليه.. انه لم يذهب الى بيت المقدس قبل هذه الليلة وحينذهب اليها في اسرائه كان في شغل بما أنعم الله عليه من ايمان وآيات كبرى.لم يهتم بتأمل الحوائط والنوافذ والأبواب وغير ذلك من الأشياء البسيطة,كيف يعي لذلك ومعه البراق, وهو معجزة وعجب عجاب, وكان معه جبريل وهو رسولرب العالمين اليه, والوقت غير مناسب لأن ينشغل الرسول صلى الله عليه وسلمأو ينشغل ضميره بالمباني وغيرها من هذه الأشياء. فقد رأى من آيات ربه مارأى, انشغل بكل هذه الآيات, وعاد من السماء السابعة الى الأولى, وهبط منالأولى الى أرض بيت المقدس كل هذه المعجزات الكبرى لم تجعله يلتفت الى شيءمن هذا القبيل حوله.
والأهم من ذلك أنه عليه السلام قد عجز ولم يجد ما يجيب به على سؤالهم.
ولمارأى هؤلاء الكفار أنه عليه السلام سكت ولم يجب, استعدوا للسخرية والتكذيب,وكان أبو بكر الصديق قد ذهب الى بيت المقدس كثيرا وله دراية به.. وكان الىجانب ذلك لا يشك في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنه عليه السلامقد زار حقا في تلك الليلة بيت المقدس, ولا جدال في ذلك.
فلمارأى أبو بكر توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاجابة, ورأى القوميوشكون أن يرفعوا أصواتهم بالسخرية والاستهزاء والتكذيب, قال أبو بكرللرسول صلى الله عليه وسلم: صفه لي يا رسول الله, فاني قد جئته وزرته عدةمرّات.
وقد رغب ابو بكر من هذا أن يقطع ألسنتهم ويمنعهم من السخرية, وأن يأتي بالدليل على صدق اسرائه.
وعندذلك حدثت المعجزة, وأراد الله أن ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم, فرفع بيتالمقدس وجعله في بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصيرته, فظهر له بيتالمقدس واضحا وجليّا, فقال عليه السلام: باب منه مكانه كذا, فصاح أبو بكرفرحا وقال: صدقت يا رسول الله أشهد أنك أنت رسول الله.. واستمر رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول:" وباب منه في موضع كذا.." فيعود أبو بكر ويقولفي حماسة وفرح: صدقت يا رسول الله, أشهد أنك رسول الله, وظل أبو بكر يقولذلك في كل فقرة, ولذلك فقد سمي أبو بكر من هذا اليوم باسم الصدّيق رضوانالله عليه.
سكت أبو جهل والكفار وعلموا أن رسول الله لمولن يهزم أمامهم, ولكنهم عادوا الى التضليل والكذب وقال أحدهم: ياقوم؛وألم يخبركم الوليد بن المغيرة, فان ما سمعناه اليوم من محمد ان هوالا السحر بعينه.
وأسرع بعضهم يغيّر مجرى الحديث فقال:يا محمد؛ ان كنت ذهبت الليلة الى بيت المقدس حقا فان لنا عيرا ذهبتبتجارتنا الى بلاد الشام, فهل تستطيع أن تخبرنا أين مكانها الآن منالطريق؟
لقد وصفت لنا بيت المقدس, ولعلك تعرف مكان قافلتنا الآن فأين هي الآن من مكة؟
فأخبرهمرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مرّ بهذه القافلة بوادي كذا وهو متوجهالى الشام, فخافوا من منظر البراق وجماله, لأن البراق كان سيره صوت مخيف,فأزعج القوم, وجعل جمالهم تنفر وتهرب هنا وهناك, فهرب منهم بعير فدلهمالرسول صلى الله عليه وسلم على مكانه.
فلما عادت القافلة, وحكى لها الكفار ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم, صدقوه, وصدقوا ما قاله عليه السلام.
وقال رجل آخر للرسول صلى الله عليه وسلم: ان لنا قافلة أخرى ذهبت الى الشام فدلنا على مكانها في الطريق.
فقالعليه السلام:" مررت بهذا الابل وأنا قادم في مكان كذا وكذا, وفيها جملعليه غرارتان: غرارة سوداء وغرارة بيضاء, فلما حاذيتهم نفرت العير, أي أنالابل خافت وذعرت من حس البراق, وصرع بعير وانكسر".
فلما عادوا الى مكة أخبروا بصدق ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.
ورغم ذلك قالوا: هذا هو السحر.
وعاد أحدهم يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وان لنا ابلا, فأخبرنا بمكانها ومتى تجيء؟
فقال عليه الصلاة والسلام:" تأتيكم هذه العير يوم كذا يقدمها جمل أورق عليه غطاء من الصوف الأحمر وغرارتان."
فلماكان وصول القافلة خرجت قريش لتنظر هل يصدق موعد رسول الله صلى الله عليهوسلم أو لا يصدق, وكاد النهار ينتهي وأوشكت الشمس على المغيب, فقال أحدالكفار ساخرا:
ها هو ذا اليوم ينتهي, ولم تقدم القافلة, ولم تجيء, اليوم بطل سحر محمد..
وما كاد الرجل يتم كلمته حتى صاح أحد المؤمنين المسلمين:
الله أكبر هذه طلائع القافلة قد ظهرت.
وقدمت القافلة, وفي مقدمتها جمل أورق عليه غطاء من الصوف الأحمر وغرارتان كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن الكفار وقريشا مع كل هذه المعجزات ظلوا على ضلالهم وسخريتهم وتكذيبهم.
وبقيت في أذهاننا معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم حية لا ننساها أبدا.
دلعها غير وحبها خير مشرفه
عدد المساهمات : 35
موضوع: رد: سدرة المنتهى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:01 pm